في ذكرى الاحتلال الغاشم لوطني، أكتب هذه الشهادة
أثناء الحرب الجوية لتحرير وطني الحبيب، التي ابتدأت في يناير من عام 91 ، جلست مع الصديق حسين في حوش منزله بالجابرية ندخن من سجائر أربد الأردنية، وحسين بالمناسبة هو مالك البيت الذي استأجرت منه شقة قبل تعرض الكويت للاحتلال، فلم أغادرها حتى تم التحرير، كنا نتحدث قليلا ونصغي أكثر للمذياع الذي كانت موجاته لا تستقر على محطة بعينها، فمن أخبار قطر إلى أخبار البي بي سي إلى أخبار صوت العرب إلى صوت أمريكا ، كنا نستمع للأخبار في المذياع وفي نفس الوقت نرهف السمع لأصوات طائرات التحالف وهي تحلّق عاليا في سماء وطننا المحتل، ثم يعقب ذلك صوت قصف لمواقع الجنود العراقيين على حدودنا والمختبئين في الخنادق، وكنا نحزن ونشعر بالأسى الشديد في اليوم الذي لا نسمع فيه هدير طائرات التحالف ولا قصفهم، كنا نترقب يوم التحرير بشوق لا يمكن وصفه، ونتخيل وطنا يعود حرا، وطنا جديدا، جميلا، بلا نفاق أو فساد، كنا نرسم صورا جميلة لوطن ما بعد التحرير.
في ذلك الوقت كثر الحديث وترددت إشاعات كثيرة عن انسحاب جنود الإحتلال، ثم طفت على السطح شائعات تتحدث عن إنسحاب جزئي، ثم لا انسحاب، وكان يُرافق ذلك ، الحديث عن الحرب البرية وتحرير الكويت، ثم حديث آخر عن تأخير الحرب البرية وأن الأمور قد تطول، حتى بلغ مني اليأس مبلغه، وتلفت الأعصاب، وأمام صديقي حسين في الحوش صرخت بلا وعي، فليقوموا بقصف الكويت وليبيدونا ومعنا جنود الإحتلال، فالمهم أن يرجع الوطن، ويعود النازحون إليه ليعمروه ثانية، وطن جديد يصحو عملاقا من تحت الركام والدمار.
وقتها وفي لحظة معينة، كان لي رأي واضح وحاسم، كنت مستعدا لأن تتم إبادتي ومعي كل أهلي، في سبيل أن يعود الوطن حرا محررا .
واليوم بعد أن عاد الوطن مستقلا حرا كريما، وبعد مرور عقدين من الزمان، وبعد أن تحطمت الصورة الجميلة التي تخيلتها أيام ما قبل التحرير عن وطني الجديد، وبعد انتشار الفساد على سطحه، وتفشي سرقات المال العام، وانتقال الكومبارس للصفوف الأمامية، أتساءل بيني وبين نفسي، هل لا زلت عند رأيي السابق؟
أعتقد، نعم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق